شرح سلسلة الأحاديث من كتاب
(أحسن البيان في شرح كتاب الإيمان من اللؤلؤ والمرجان )
:: من لقي الله بالإيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم على النار::
1- حديث عُبادَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ عَلى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَل. وزاد أحد رجال السند مِنْ أَبوَابِ الْجَنَّةِ الثمانِيَةِ أَيُها شَاءَ) متفق عليه.
2- حديث مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنا أَنا رَدِيفُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لَيْسَ بَيْني وَبَيْنَهُ إِلاّ أَخِرَةُ الرَّحْلِ، فَقالَ: يا مُعاذ قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ ساعَةً ثُمَّ قَالَ: يا مُعاذ قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: يا مُعاذ قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ: هَلْ تَدْري ما حَقُّ اللهِ عَلى عِبادِهِ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ اللهِ عَلى عِبادِهِ أَنْ يَعْبُدوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: يا مُعاذُ بْنُ جَبَلٍ قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، فَقَالَ: هَلْ تَدْري ما حَقُّ الْعِبادِ عَلى اللهِ إِذَا فَعَلُوهُ قُلْتُ اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ الْعِبادِ عَلى اللهِ أَنْ لا يُعَذِّبَهُمْ) متفق عليه.
3- حديث مُعاذ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلى حِمارٍ يُقالُ لَهُ عُفَيْرٌ، فَقَالَ: يَا مُعاذُ هَلْ تَدْري حَقَّ اللهِ عَلى عِبادِهِ وَما حَقُّ الْعِبادِ عَلى اللهِ قُلْتُ اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلى الْعِبادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبادِ عَلى اللهِ أَنْ لا يُعَذِّبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا فَقُلْتُ يا رَسُولَ اللهِ: أَفَلا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ قَالَ: لا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا) متفق عليه.
4- حديث أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمُعاذٌ رَديفُهُ عَلى الرَّحْلِ، قَالَ: يا مُعاذُ بْنَ جَبَلٍ قَالَ: لَبَّيْكَ يا رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: يا مُعاذُ قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ ثَلاثًا، قَالَ: ما مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلاَّ حَرَّمَهُ اللهُ عَلى النَّارِ قَالَ: يا رَسولَ اللهِ أَفَلا أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِروا قَالَ: إِذًا يَتَّكِلُوا وَأَخْبَرَ بِها مُعاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّما) متفق عليه.
الشرح:
فيه أن من شهد بهذه الأمور الخمسة بالألوهية والرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم ورسالة عيسى عليه السلام وخلقه وثبوت الجنة وثبوت النار استحق بذلك دخول الجنة ، والشهادة تعني الإقرار عن علم واعتقاد وتصديق ويقين وقبول وانقياد أما من تلفظ بذلك عن غير اعتقاد أو كان شاكا أو مكذبا في باطنه أو غير منقاد فلا ينفعه ذلك عند الله ولا يقبل منه في الآخرة.
وفيه أن محمدا صلى الله عليه وسلم بشر كسائر الناس يعرض له ما يعرض لهم من الآفات وينسى كما ينسون ويغضب مثلهم إلا أن الله اصطفاه برسالته وفضله على خلقه فلا يحل لأحد أن يعتقد فيه و ينزله فوق منزلته التي أنزله الله تعالى فيدعي فيه علم الغيب أو تصرفه بالكون أو غير ذلك من الصفات والأوصاف التي لا تصلح إلا لله وهي من خصائصه تفرد بها عما سوى خلقه.
وفيه دليل على أن عيسى عليه الصلاة والسلام عبد لله مرسل من قبله مخلوق بكلمة الله من الله ألقاها على أمه مريم فحملت بها معجزة وخرقا للعادة ثم ولدته بغير أب وقد أضافه الله إليه من باب التشريف كناقة الله وبيت الله قال تعالى ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ). فهو ليس إله ولا ابنا لله. وقد ضل فيه طائفتان طائفة جفته وأبغضته وسعت في قتله وكفرت به وهم اليهود وطائفة والته وغلت فيه وادعت فيه الألوهية واعتقدت موته وهم النصارى.
وفيه أن الجنة والنار ثابتتان مخلوقتان الآن باقيتان لا تفنيان أبدا وجميع ما ذكر من النعيم والعذاب فيهما حق لا مرية فيه وهذا اعتقاد أهل السنة والجماعة يؤمنون بهما على سبيل الحقيقة خلافا لمن أنكرهما أو كفر بهما أو تأولهما أو قال بفنائهما من الملحدين والفلاسفة والمعتزلة وغيرهم.
وفيه أن من مات على التوحيد واجتناب الشرك كان مستحقا لدخول الجنة على حسب عمله فإن رجحت حسناته دخلها مباشرة وإن رجحت سيئاته فأمره على الله إما يعذبه وإما يغفر له ثم يستقر أمره إلى الجنة.
وفيه تواضع النبي صلى الله عليه وسلم في ركوبه الحمار على خلاف عادة الأشراف والأمراء الذين يتباهون في مراكبهم ومساكنهم ومآكلهم أما النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب هيئة المساكين.
وفيه جواز استعمال الدابة فوق العادة مالم يشق ذلك عليها أو يلحق الضرر بها. وفيه استعمال العالم أسلوب السؤال للمتعلم ليحفز همته ويسترعي انتباهه لما سيلقيه من العلم وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من هذا الأسلوب مع أصحابه.
وفيه ورع الإنسان إذا سئل عن مسألة لم يعلمها أو لم يحط بها أو لم يتبين له وجه الصواب فيها أن يجيب بالنفي ويكل العلم إلى الله سبحانه وتعالى وقد كان هذا دأب أئمة السلف. وفيه أن لله سبحانه وتعالى حقا على عباده أن يفردوه بالعباده ويخلصوا له ولا يشركوا أحدا في عبادته مهما كان لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولأجل ذلك خلقهم وبعث إليهم رسله وأنزل كتبه.
وفيه أن الله أوجب على نفسه تفضلا منه ورحمة وشفقة بعباده أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا والمراد لا يخلد في ناره من مات موحدا مجانبا للشرك وهذا مقتضى الجمع بين الأدلة في هذا الباب وحق الله وعد منه نافذ قطعه على نفسه لطفا منه ورحمة لم يوجبه أحد من الخلق عليه خلافا للمعتزلة قبحهم الله.
وفيه جواز الإسرار ببعض العلم وكتمه عن العامة وتخصيصه بمن رجح عقله وعظم فهمه وعلمه إذا اقتضت المصلحة ذلك وكانت راجحة كما خص النبي صلى الله عليه وسلم معاذا دون سائر أصحابه لكمال فقهه مع صغر سنه.
وفيه بيان مسألة مهمة في خطاب الدعوة وهو إذا ترتب على إشاعة مسألة خفية وإظهار قول فتننة الناس في دينهم أو تركهم العمل الصالح وركونهم إلى الرجاء كان من الفقه الإمساك عن ذلك كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم معاذا عن إخبار العامة بالبشارة لئلا يتكلوا عليها ويتركوا العمل وهذا له نظائر في الشرع.